كشفت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، في تحقيق نشرته أمس ونقلت مقاطع كبيرة منه الصحف الإسرائيلية، النقاب عن أن عميل «الموساد، اليهودي الأسترالي الأصل، بن زايغر، الذي توفي في سجن إسرائيلي كشف عملاء إسرائيليين لـ«حزب الله». ويظهر التحقيق أن وقوع كل من زياد الحمصي ومصطفى عواضة في أيدي أجهزة الأمن اللبنانية كان بسبب أخطاء زايغر.
وأضاف التحقيق ان زايغر كان يعد في الأصل لاختراق الشركات التي تتعامل مع إيران عبر شركة أنشئت في أوروبا بهدف التغلغل في إيران ذاتها. ويصف التحقيق زايغر بأنه «الخائن الأكبر لإسرائيل» وانه «الصهيوني الذي غدا فارا». وأشار تقرير «دير شبيغل»، الذي شارك في إعداده الخبير الإسرائيلي في الشئون الأمنية الدكتور رونين بيرجمان، إلى أن زايغر الذي كان قد هاجر إلى إسرائيل أنهى خدمته العسكرية فيها بالعمل في وحدة الارتباط مع لبنان قبل أن يعود إلى أستراليا لمواصلة تعلمه الجامعي في كلية الحقوق.
وبعد نيله شهادته الجامعية عاد ليتدرب في مكتب محاماة أسسه وزير العدل الإسرائيلي السابق يعقوب نئمان. وخلال فترة تدريبه هذه تعرف على فتاة إسرائيلية غدت زوجة له. وبموازاة تمرنه القضائي تم تجنيد زايغر لجهاز «الموساد» حيث اجتاز العديد من الاختبارات والتأهيل ابتداء من مطلع العام 2003. حسب التحقيق عمل زايغر في خدمة «الموساد» طوال خمس سنوات. ويبين التحقيق، الذي يقتبس الكثير من المعطيات عن تقرير تحقيق داخلي إسرائيلي، انه ابتداء من مطلع العام 2005، بعد وقت قصير من إنهاء زايغر مسار التأهيل والتدريب في «الموساد» تم إرساله إلى أوروبا للتغلغل في شركات تتاجر مع إيران.
وكانت مهمته تجنيد أناس واستخدام هذه الشركات كغطاء للتغلغل في إيران. وينقل التحقيق عن مدير إحدى هذه الشركات أن زايغر بدأ عمله فيها كمدير حسابات. وقال: «لم تكن لديه أية خبرة في هذا المجال، لكنه كان كفؤا بحيث حاز الخبرة المطلوبة خلال وقت قصير». بعد ذلك، تم تعيين زايغر مسؤولاً عن العلاقات المباشرة مع الزبائن، ولكن حينها ظهرت مشاكل في عمله. وقال مدير الشركة أن «زايغر فقد الاهتمام وغدا عديم الحوافز. وتقريبا كاد يفقدنا أحد أهم زبائننا».
ونتيجة لذلك تم طرده من العمل. ويؤكد تحقيق «دير شبيغل» أن زايغر لم يوفر البضاعة لمشغليه في «الموساد»، وبعد حوالى عامين ونصف العام من العمل تقرر إعادته لعمل إداري في إسرائيل. وفي وظيفته الجديدة شعر زايغر بالإحباط. وبعد عام، ووفق شروط العمل المعهودة، طلب زايغر مواصلة دراساته على حساب «الموساد» في أستراليا ليكون قريبا من عائلته، وهذا ما تم بقرار استثنائي.
وبدأ زايغر دراسته للحصول على الدرجة الجامعية الثانية في القانون من جامعة موناش. في حوالى نهاية العام نفسه وصلت لـ«الموساد» معلومات تفيد بأن «حزب الله» اكتشف أن رجل «موساد» يتعلم في جامعة موناش. وأظهر فحص إضافي أن زايغر نفسه كان سبب تسرب هذه المعلومة بسبب ثرثرته وكشفه أنه «عميل موساد». فزايغر المحبط، وفق التحقيق، روى عن نفسه معلومات صحيحة بينها أنه «عميل موساد» وعمل ضد إيران، ومعلومات غير صحيحة مثل انه تسلل إلى إيران ودول عربية أخرى.
ووصلت هذه القصص إلى الصحافي جايسون كاتسوكيس عبر رسائل كتبها رجال يعملون في الاستخبارات الأسترالية كانوا حانقين على استخدام إسرائيل لجوازات سفر أسترالية. وحينها تم استدعاء زايغر للتحقيق من جانب «الموساد» في إسرائيل. وقدم أجوبة غير مرضية، فتم تسليمه لجهاز «الشاباك». وفي التحقيق، تبين أن القصة أخطر من ذلك بكثير.
وبحسب التقرير، وجد المحققون مع زايغر أقراصاً مدمجة تحوي معلومات إضافية، قد يكون أراد تقديمها إلى «حزب الله». تجدر الإشارة إلى أن لائحة اتهام قدمت ضد زايغر الذي عرفته الصحافة الإسرائيلية باسم «السيد إكس» وتضمنت اتهامات وصفت بأنها «ملف إجرامي خطير» يبلغ الدرجة الأعلى من الخطورة.
وقد توفي زايغر في السجن الإسرائيلي في 15 كانون أول 2012 وأعلن أنه أقدم على الانتحار. ونقلت «دير شبيغل» عن مصادر مقربة من التحقيق قولها إنه في العام الذي عمل فيه زايغر إداريا في جهاز «الموساد» في إسرائيل، ومن منطلق الرغبة في إثـــبات قدراته ولإظهار كفاءاته في العمل الميداني، بادر إلى عمل من دون معرفة المسؤولين عنه.
فقد أنشأ علاقة مع أحد أعوان «حزب الله» في إحدى دول البلقان، محاولا تجنيده لجهاز «الموساد». وحسب مصدر أمني رفيع المستوى، كان هذا المقرب من «حزب الله» «أشد احترافية من زايغر»، وبدلا من أن يقدم له معلومات، أفلح في أن ينتزع من زايغر معلومات.
وحسب «دير شبيغل» فإن هذه المعلومات ساعدت أجهزة الأمن اللبنانية في تشخيص اثنين من بين عدد كبير من المصادر التي تم اعتقالها في العام 2009 بشبهة التعاون مع إسرائيل، وهما زياد الحمصي الذي شغله «الموساد» تحت اسم «الهندي» ومصطفى علي عواضة الذي تم تشغيله تحت اسم «زوزي»، وقد اعتقلا وبحوزتهما أجهزة بث وتشفير واعترفا بالتجسس لحساب إسرائيل.