أعلنت الليلة البارحة المواقع الإخبارية الموريتانية نبأ تسليم الولايات المتحدة الأمريكية السجينين محمدو ولد صلاحي واحمد ولد عبد العزيز إلى نواكشوط نقلا عن مصادر خاصة غالبا،
وراحت هذه المواقع تتنافس في تحقيق السبق الصحفي العظيم مسترسلة في ذكر عديد التفاصيل التي زودها بها المصدر الخاص، قبل غروب شمس اليوم جاءت الأخبار من بلاد العم سام مفندة لكل ما ذكرته المصادر الموريتانية الخاصة لوسائل الإعلام.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتلاعب فيها “المصادر الخاصة” بوسائل الإعلام عن طريق إطلاق شائعات وبث أخبار واهية خدمة لمآربها الخاصة والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي العام الماضي أعلنت وسائل الإعلام المحلية نبأ إطلاق سراح الدركي الأسير لدى القاعدة اعل ولد المختار رفقة رهينة إيطالية نقلا عن مصادر خاصة مع ذكر بعض التفاصيل الصغيرة التي تختلف من موقع إلكتروني لآخر قبل يثبت زيف هذه الأخبار والتي علم لاحقا أنها كانت مجرد شائعات أطلقتها بعض “المصادر الخاصة” للتغطية على عملية لتبادل الأسرى بين الحكومة الموريتانية وتنظيم القاعدة.
وتبقى الذاكرة حية بحجم الشائعات التي أطلقتها “المصادر الخاصة” طيلة فترة غياب الرئيس عزيز في رحلته الاستشفائية إلى فرنسا بعد أزمة “الرصاصة الصديقة” حول تدهور صحته وعجزه عن ممارسة السلطة مستقبلا بل وحتى عن عدة انقلابات عسكرية قيد التنفيذ، ما لم ينتبه له الكثيرون آنذاك أن هذه الشائعات تسرب في غالبها عن طريق مواقع عرفت بقربها من رأس النظام، وبعد زوال الغشاوة التي غطت أعين الموريتانيين والسياسيين خاصة أدرك الجميع أنهم وقعوا ضحية تلاعب كبير كان الهدف منه تهدئة الساحة في غياب الرئيس من خلال إيهام الجميع أن مرحلة حكمه تم تجاوزها وأصبحت منسقية المعارضة ترسل الوفود لحزب الحاكم لتدارس الوضعية الدستورية في البلاد وتنظيم الفترة الانتقالية بعد عجز الرئيس !!! الحقيقة أن الجهات الأمنية تنسج علاقات قوية مع وسائل الإعلام المحلية وفق المبدأ الدبلوماسي الشهير أن التعاون يجب أن يجني الطرفان ثماره، ففي بلاد تشح فيها المعلومات ومصادر الأخبار يكون الحصول عليها دونه لمس الفرقدين، يصبح العمل الصحفي الجاد والمهني مهمة شبه مستحيلة، الجهات الأمنية تحتاج هي الأخرى في إطار أداء مهامها إلى التحكم في المجتمع من خلال السيطرة على الشائعة وفاء لمبدأ إستخباراتي سوفييتي قديم، فمن المعروف تقليديا وجود أشخاص يزودون الصالونات في انواكشوط والداخل بالأخبار التي تدور في كواليس الإدارة والتي يتعطش المواطن لسماعها، حفاظا على هذا النهج في زمن العولمة تقدم الجهات الأمنية “مصدرا خاصا” لكل صحفي من الذين يشار إليهم بالبنان في الساحة الإعلامية وبذلك يضمنون نسج علاقة خاصة بوسائل الإعلام المهمة إضافة إلى تلك التي تتبع للجهات الأمنية بصفة مباشرة، يقدم “المصدر الخاص” الأخبار لأصدقائه بسخاء كبير وبذلك يحقق الصحفي سبقا عدة مرات ويضمن الحد الأدنى من المصداقية عند المواطن بإعتباره مدينة خبر ومصدرا مطلعا يوثق فيه. بين حاجة الصحفي إلى الوصول للمعلومة وسعيه الدؤوب لتحقيق السبق، وحاجة الجهات الأمنية لميكانيزما تمرر عن طريقها الشائعات والأخبار التي تخدم مصالحها، يضيع المواطن وتغيب المصداقية وتختفي المهنية وتصبح الجهات الناقلة للخبر صانعة له.
محمد لمين ولد اشفاغة