كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات المسؤولين الفرنسيين بشأن وجود الجماعات الجهادية أو كما يسموها الإرهابية في جنوب ليبيا، تزامن ذلك مع حديث عن ضربات عسكرية فرنسية قد توجه لمعاقل هذه الجماعات. غير أن مراقبين ومحللين ليبيين يرون أن باريس تبحث عن أي ذريعة للتدخل في بلادهم، في حين حمّل بعضهم المسؤولية للحكومة الليبية لتركها الجنوب للتهميش.
فقد اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند -في مقابلة مع قناة فرانس 24 بثتها يوم الجمعة الماضي- أن الجماعات الجهادية بجنوب ليبيا هي التي تقف وراء هجمات النيجر الأخيرة، لكنه استبعد أي تدخل عسكري خارج إطار قرارات الأمم المتحدة.
كما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خلال زيارته للنيجر يوم 28 مايو/أيار الماضي إن صحراء جنوب ليبيا تحولت إلى ملاذ آمن لما وصفها بالجماعات الجهادية المتشددة.
صالح جعودة كشف عن اتصالات مخابراتية مع النيجر وتشاد (الجزيرة نت- أرشيف)
ضربات اتهامات فرنسا بوجود “إرهابيين” في مناطق جنوب ليبيا قال عنها مسؤول ملف الأمن القومي في المؤتمر الوطني صالح جعودة إنها مبالغة كبيرة، مؤكدا أن هناك أطرافا -رفض تعريفها- تحاول تعليق مشاكلها الداخلية على شماعة جنوب بلاده.
وكشف جعودة للجزيرة نت عن اتصالات تجري بين رئيس المخابرات الليبية سالم الحاسي ومخابرات النيجر وتشاد، دون الإفصاح عن المعلومات التي بحوزتهم خاصة في هذه الأوقات.
وعن توقعات توجيه ضربات لمعاقل الجماعات الجهادية في مناطق الجنوب، رفض جعودة بشدة أي ضربات عسكرية لأي جهة ليبية تحت أي شعار، وأكد أن الدولة لن توافق على أي تدخل أجنبي.
ويرى الزعيم القبلي التباوي عيسى عبد المجيد، الذي تقطن قبيلته بالجنوب، أن الحديث الفرنسي المتكرر عن الجنوب له ما بعده، وتحدث عبد المجيد عن ما اعتبرها أطماعا فرنسية واضحة، مؤكدا أن فرنسا تبحث عن ذريعة للتدخل في ليبيا، واتهم أطرافا عربية وأجنبية بالتورط في الفوضى بليبيا.
ورجع عبد المجيد -في تصريحه للجزيرة نت- بحديثه إلى تاريخ 19 مارس/آذار 2011 عندما حاولت قوات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي اقتحام مدينة بنغازي وسارعت فرنسا إلى قصفها، وأكد في هذا الصدد أن التحرك الفرنسي وقتها كان لضمان حصتها في الكعكة الليبية مستقبلا.
وبينما يعتبر مراقبون أن أي تدخل فرنسي في شؤون ليبيا هو “حماقة وانتحار سياسي وخيانة عظمى للمتواطئين”، يقول المحلل السياسي عز الدين عقيل للجزيرة نت إن استهداف موقع منجمي شمال النيجر يوم 23 مايو/أيار الماضي مسّ الأمن القومي الفرنسي باعتبار أنه ينتج 70% من الطاقة الكهربائية الفرنسية.
وأكد عقيل أن المسؤولية تقع على الحكومة الليبية التي تركت الجنوب في حالة إهمال “مرعبة”، إذ إن الجنوب الليبي بات يشكل -يواصل عقيل- تهديدا لدول الجوار، مضيفا أن “سلاحنا يقفز من دولة إلى أخرى”.
وأوضح أن الجنوب تحوّل إلى ملاذ آمن لمن يودون تصفية حساباتهم السياسية مع بلدانهم، قائلا “لو كنت طرفا سياسيا متمردا لاخترت جنوب ليبيا لجمع المال والسلاح قبل بدء الهجوم”، واصفا المكان بأنه الفوضوي الوحيد في العالم الآن بعد العراق وأفغانستان.
علي زيدان سيُوضع في موقف حرج إذا قصفت فرنسا الجنوب الليبي (الجزيرة نت)
وعن توقعاته بشأن القيام بعمليات عسكرية فرنسية، قال عقيل إن الدول الغربية عموما لا تودّ إحراج الحكومة الليبية الحالية بقيادة علي زيدان -التي تربطهم بها علاقات وثيقة- من خلال غارات جوية، لكنه قال إن من الممكن القيام بعمليات عسكرية في السر.
“دولة فاشلة” وتتباين تصريحات المحللين السياسييْن عز الدين اللواج وصفوان المسوري للجزيرة نت، فقد استبعد الأول تدخلا عسكريا مباشرا في ليبيا في المرحلة الراهنة على غرار العمليات الفرنسية في شمال مالي، في حين رجح المسوري تصاعد وتيرة الاتهامات الفرنسية والغربية لجنوب ليبيا خلال الأيام المقبلة قبيل توجيه ضربات لمعاقل من أسماهم الجهاديين في تلك المناطق.
واستنبط المسوري تعليقه من تقرير نشرته صحيفة لوبريزيان الفرنسية قبل يومين، قالت فيه إن رئاسة الأركان الفرنسية عازمة على مطاردة الجهاديين في جنوب ليبيا، مشيرا إلى أن الصحيفة ذكرت أن فرنسا طلبت من الولايات المتحدة الأميركية منحها الإذن لمراقبة المنطقة بطائرات من دون طيار.
كما توقع المسوري اتفاقا سريا فرنسيا ليبيا على ضرب المعاقل، لكنه رجح أن تكون المواقف العلنية الليبية الرسمية رافضة ومنددة بالضربات. أما المحلل اللواج فقال إن الضربة قد تأتي بتفويض دولي من مجلس الأمن الدولي “إذا وضعت ليبيا في خانة الدولة الفاشلة”.
الجزيرة