نداء إلى ادباء وكتاب موريتانيا متى استغنى طيف السماء عن لون من ألوانه؟

في هذا الصباح، خرجت من المنزل مبكرا ولدي شعور عارم بأنني اؤدي واجبا مقدسا هو الإدلاء بحضوري شحصيا من أجل التعبير عن تمسكي بلحمة الشعب الموريتاني، ولدي قناعة بأنني اول من خرج لأداء هذا الواجب.
وليس من الصعب على إنسان بكر ليشارك إخوة له في الدين والتاريخ والوطن والحاضر والمستقبل، تجربة التعبير عن الإخاء وتشارك المصير، ان تغمره سكينة أداء الواجب الوطني الشريف، في هذا الزمن المشحون بالبغضاء، لسبب ولغير سبب، وأن يحس إحساسا تدعمه الوقائع بأن الأمن والاستقرار هما أعز مطلبين في عالمنا اليوم، لندرتهما إقليميا ودوليا، ففي أعظم دولة في العالم، ندر ان يمر يوم أو يومان إلا وتحدث مزجرة في المدارس والجامعات او تجري أحداث ذات طبيعة عنصرية، يروح ضحيتها براء لاذنب لهم غير أن الله خلقهم بلون معين، اوتربوا على ثقافة وعادات معينة.
وليس بعيدا عليه أن يتذكر أن ثمة بلدانا من جنس بلده عانت وتعاني الأمرين من التناحر الداخلي بسبب تطرف في الفهم، أوغلو في تأويل المبادئ، أوسوء تقدير لنتائج النزاع الاجتماعي، او طمع في مكاسب عاجلة.. فينتج عن كل ذلك حصاد مر، تذهب فيه النفوس سدى، والموارد المادية بددا، وتفقد فيه القيم المعنوية عبثا، وتنهار فيه الصروح على رؤوس من بنوها كسفا، وتصبح شعوب تلك البلدان عبرة لمن يعتبر.
كنت وانا اخرج من الأحياء الشرقية من نواكشوط اتصور كما أسلفت، أنني أول الخارجين بعد صلاة الفجر فإذا بي أفاجأ بازدحام راجل وراكب على كل الطرقات: رجال كبار وشباب ونساء ويافعون، من كل القوميات الموريتانية، تجذبهم قوة التمسك بوحدتهم، ويدفعهم الفزع من مصير من استعذبوا النزاع فعذبهم، واستسهلوا الخلاف فخلفهم عن غيرهم، واختاروا القتال فتخير في قتلهم.. جموع متدافعة تسير في اتجاه واحد بحماس وكأنها في سباق مع الفجر، نحو المستقبل المشترك.
كانت الملامح السمحة للجميع تقول بكل وضوح: نعم للسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، والتعايش في المستقبل. لا للكراهية، والحقد والصيد في المياه االعكرة.
وعندما انضممت إلى المسيرة الضخمة التي جمعت كل الموريتانيين من رئيس الجمهورية إلى العاطل عن العمل، ومن ألوان الطيف الموريتاني، وحططنا الرحال في المطار القديم، استمعنا إلى خطاب رئيس الجمهورية، الذي ارتكز على صيانة الوحدة الوطنية بالتلاحم والوقوف في وجه مروجي الكراهية، وضرورة إشاعة التفاهم بين افراد المجتمع الموريتاني، والتركيز على التعليم باعتباره ضامنا للمساواة والرفاه، وتثمين ثقافتنا باعتبارها حمى لهوية البلد تاريخيا وحاضرا، وحماية الحمى والعزة مستقبلا؛ وضمان حرية التعبير والتنظيم، وما ادراك ماهي؟ في عالمنا اليوم؛
وعندما لم يتحدث السيد الرئيس بشطر كلمة عما راج من محاولة الاستغلال السياسي للمنبر، واستدرار الموقف الوطني لخدمة اهداف حزبية؛
عندها كان لخروج جماهير نواكشوط بهذا الزخم طعم خاص لاعهد لها به. طعم الإحساس بالهم المشترك، والمصير المشترك، لقد بدا كل مشارك وكأنه هو المسؤول الأول عن صيانة الوحدة الوطنية، والأمن والاستقرار في موريتانيا، وبهذه الخلاصة خوجوا.
اعود واقول إنه، بناء على ماخرجت به من تجربة اليوم التاسع من يناير، ادعو الشعب الموريتاني إلى اعتبار اليوم من كل سنة. يوما للوحدة الوطنية، ونحن في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين سنعتبره كذلك.
وأدعو الأدباء والمثقفين، والمدونين وقادة الرأي في بلادنا إلى الانطلاق من هذه اللحظة الوطنية الصحيحة، لحظة الالتحام الوحدوي، لامتطاء أقلامهم النبيلة من أجل التعبير عن هذا الوعي المشترك، والتآزر الذين عبر عنهما الموريتانيون اليوم بكل أريحية، من اجل بناء جسر المحبة، والسلم، والتعاون، وتكريس قيم المساواة، وعدم رؤية الفضل على الغير، وإشاعة مبدأ: كلكم لآدم وآدم من تراب. وامتثال آية: (إن اكرمكم عند الله أتقاكم)، والرفع من شان وعي الطبقات الهشة من كل فئات الشعب الموريتاني والمساهمة في تعليمها طوعا.
إنني اوجه نداء عاما لكل الأدباء والكتاب والمفكرين الموريتانيين لاقتناص اللحظة الموحدة، ايا كانت وجهاتهم السياسية، اوانتماءاتهم الطيفية، ليقيني بحبهم لموريتانيا الطيفية، وتنوعها الثري، ووحدتها العميقة، في مذهب فقهي مشترك، وعقيدة متجانسة، ومنهج صوفي موحد. ومادامت الحال هكذا فلاصعوبة في اقتناص اللحظة الحضارية من أجل عيون أجيالنا القادمة.
أخيرا أتساءل وانا أختم هذا النداء: متى استغنى طيف السماء عن لون من ألوانه الزاهية؟ كذلك موريتانيا ايها الأكارم.

الدكتور محمد ولد أحظانا
رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.