بين الذكاء الفطري والذكاء العلمي. مقاربة في مفهوم العلمية الحديث د/محمدو ولد احظانا

بعد التمهيد العام حول درجات اليقين والحقيقة في المعرفة العلمية، وما يترتب على ذلك من بعد عن بعض معطيات الذكاء الفطري، التي لبست لباس الخرافة، سأحدثكم الليلة عن المقاربة التي حاولنا انا والدكتور العبقري يحي ولد حامدن أن نتلمس منها بعض القرابات والتشاكلات مابين ممارسة لگزانة التي هي طريقة متقادمة لقراءة الحظوظ، والمغيبات من جهة، وبين ثلاثة علوم شكلية تحدثنا عنها سابقا هي اللغة، والمنطق الحديث والرياضيات من جهة أخرى. .
وأطلب من متابعي الصفحة ألا يستسخفوا هذه المقاربة التي كنا نتناولها بكل جدية واهتمام رغم سخافتها الظاهرية، حيث حاولنا الكشف عن روابط بين الخرافي والعلمي وهو ما لايقبله أفق التوقع العادي.

أولا: بخصوص اللغة،
لاحظنا أن منطوق لگزانة، يعتمد على نوعين من الدلالة، الدلالة التعميمية، والدلالة التخصيصية، حيث يتدرج الكلام في “تنتاگ الكمية” ، من الدلالة العمومية إلى الدلالة المخصصة، ويتم ذلك باستدراج إسقاطي لمستطلع الخبر المخبوء. ومثال ذلك:” أم أربع” : التي تعني جميع الدواب الرباعية الأرجل بدون استثناء. و” سيفر وأحمر وأبيض، وطريق وثگل، وركيزة..” إلخ.. في الأشكال التي تعني مجموعة كبيرة من القيم والملونات والاشياء المادية والمعنوية، فهي رزم دلالية عامة الدلالة على أصناف لا على أعيان.
و” ابشيره، والامر المنث، والمذكر، ودونه ظلمة، وگابظ الطريگ، والمبهم” .. الخ.. من الأحكام العامة الدلالة أيضا.
أما عندما يبدأ المستطلع بالمساعدة في تحديد مبتغاه الذي يسقط عليه مايعرفه، فهنا تبدا الدلالة الخاصة في عملها، فإذا كانت أم أربع تعني عنده جملا، لم يشك في صدق الگزانة، وإذا كان فرسا خصص به نفس الدلالة التي هي أم أربع فصدق ما قالته العرافة.. وهكذا..
وأكتفي بهذا المثال عن اللغة وثمة استخدامات مختلفة لمبادئ اللغة تشمل استغلال خواص لغوية أخري عديدة غير هذه، وبذكاء فطري محكم.
كما تستخدم لگزانة آلية الإسقاط الدلالي الإيحائي للمصطلح العمومي الدلالة..
وعليه فإن للذكاء الفطري للگزانة علاقة معقدة مع اللغة في بعض اولياتها.

ثانيا: بشأن المفاهيم القاعدية للرياضيات فإن الاكزانة تستخدم لائحة مطولة من هذه المفاهيم والمبادئ، مثل: رمز النقطة والخط، عند تجريد نقطتين فأكثر في خط عمودي، وتعتمد مبدأ الاختزال بأربع نقاط باثنتين، وثلاث بواحدة، ومبادئ أخرى كثيرة مثل التثليث والتربيع، والمضاعفة، والعمودية، والجمع والطرح.. ومبدأ حركة النقطة على الحيز الافتراضي، ذات الأهمية الخاصة في تحديد الأشكال على شاشة الكومبيوتر حاليا. وتقوم هذه الآلية بتحديد الأشكال الستة عشر، التي تبدأ من أربع في الطريق حيث يصبح الخط مستقيما نظريا، إلى ثمان نقاط في ثگل، الذي يترتب عن خطيه الوعي بمبدأ التوازي العمودي لدى الذكاء الفطري الذي أنتج لگزانة.. إلى آخر التفاصيل الكثيرة في هذا التشارك القاعدي بين الذكاء الفطري والذكاء العلمي الشكلي.
.
إلا أن لگزانة التي هي نتيجة لوعي فطري بالطبع لم تع بمبادئ مهمة ولذلك لم تصبح لغة ولا رياضيات ولا منطقا، فقد جهل وعيها المنتج لها مبدأ تقاطع الخطوط، لأنه لم يدرج مبدأ التجاور بين البعد الأفقي والبعد العمودي في تصور واحد، ولذا لم يكتشف الزاوية.
ما السبب في ذلك؟
نظريا قد يعود ذلك إلى نظرة عمودية للكون، خاصة ان لگزانة ممارسة لاستطلاع الغيب في الأعالي، مما يوحي بجانبها التعبدي الغيبي عند ممارسيها الأوائل..

ثالثا: تشاكلات مع المنطق الحديث
إذا عدنا إلي ماتقدمه عملية توليد الأبواب فيما بينها من احتمالات لاحظنا أنها تقدم حاصل ضرب 16 في 16، وهو 256 احتمالا، نصفها موجب (128) ونصفها سالب(128)، بمعنى أن أحد النصفين مكرر نصفه الآخر، وتقريب ذلك في أن حاصل ضرب 2في 6 الذي يساوي 12، مكرر بحاصل ضرب 6 في 2 الذي يساوي أيضا 12.
في لگزانة فإن ناتج توليد سيفر مع ثگل يساوي سيفر، كذلك يساوي توليد ثگل مع سيفر نفس النتيجة، وهي سيفر..
بالمقابل توجد في منطق القضايا الحديث 256 احتمالا منها 128 موجبة، 128 سالبة بنفس الصورة، السابقة وإن كانت لغة منطق القضايا مختلفة تماما.
لكن من المهم أن نذكر في هذه الأمثلة التي هي مجرد نماذج مما عثرنا عليه في مقاربتنا الجريئة حقيقة، أن معطيات الذكاء الفطري هنا، وإن تطابقت شكلا مع بعض ثوابت الذكاء العلمي إلا أن ثمة اختلافات جذرية تحول دون تقرير التطابق بالمعنى الدقيق، ومن أمثلة الاختلاف ثلاثة أمور:
الأول: أن علوم الشكل علوم واعية بذاتها، واعية بشروط نسقيتها وتحترمها بشكل دقيق. وهذا ما لايتوفر في لگزانة، إذهي وإن خضعت لقواعد محددة إلا أنها عمياء عما وراء تلك القواعد.
ثانيا: أن علوم الشكل تستخدم للتعبير الواعي عن معارف وعلوم أخرى، وممارسة لگزانه مغلقة على نفسها، بل لا تعتبر نفسها لغة أبدا حتى لنفسها.
ثالثا: أن علوم الشكل تحصل كما رأينا سابقا أعلى درجة من اليقينية، بينما تقر الاگزانة مبدأ الارتياب في كل نتائجها (ما كذبناه أولاصدقناه).

خلاصة
إن الأمر بالنسبة لنا حينها لم يكن علمنة للگزانة لأنها ليست كذلك، ولا “تخريفا” لعلوم الشكل، وإنما محاولة لكشف عن تلك العلاقة المخفية عن قصد وسبق إصرار، بين مراحل تطور الوعي البشري في اولياته ونهاياته. فالعلماء يرغبون في إنكار تاريخية اليقين، ونسبية الحقيقة ضمنا، من خلال وأد الماضي المعرفي والمنهجي الذي مر به العقل البشري، ربما خوفا من ارتجاعه، في تجليات ذكائه الفطري الذي لايستهان به.
إنه إنكار مزمن لحقيقة عنيدة وهي أن معارفنا، في حقيقتها مجموعة من المسلمات المؤقتة التي تتحول تاريخيا مع تطور العقل إلى سلسلة من الأخطاء المضحكة.
هكذا كنا نفكر حينها في الرد على سؤال العلاقة بين الذكاء الفطري من خلال لگزانة كنموذج لعدم اليقين، وعلوم الشكل كعلوم لليقين الحالي.

وأخيرا، فكما تشرفت بأن تجمعني مع الراحل العبقري الطيب المرحوم يحي حامدن صورة نشرتها على صفحتي، كذلك أتشرف بأننا فكرنا معا في نفس الموضوع، بمنهجية موحدة، وإن اختلفت المنطلقات التي انطلق منها كل واحد منا في تفكيره بنفس الموضوع، حيث كاتت خلفيته رياضية، وكانت خلفيتي إناسية معرفية (أنتروبولوجية وأبستولوجية) .

قد يواتيني الوقت لأبسط الموضوع لاحقا. و أكتفي بهذه الأمثلة الموحية بخلفياتها من هذا الموضوع الذي هو في النهاية مجرد تعليق موسع على صورة أثيرة لدي.
طبتم وطاب سمركم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.