“بلاد المعلومة”

أصابتني عقدة نفسية في بداية المرحلة الثانية من طفولتي ، تحديدا مع بداية التسعينات ، وهي عدم تمكني من نطق حرف “الراء” حيث لم أتمكن من التعبير عن تضامني مع “العراق” كان محرجا جدا ان أقول “العقاق” كما كنت أنطقها في بيت احد قادة حزب الطليعة .
والكلمة الثاني هي “شرلي” حيث كان من الأنوثة المتقدمة ان أكرر أمنيتي ان استعمل “شرلي” عندما اصبح شابة…
لكن الأسوأ من كل ذلك واكثرها صعوبة في نفسي الطفولية هو عجزي ان اطرب نفسي بصوتي واغني “جيتُ لول مرة * مريضة منحرة * وظحك لي بالمرة *كيف الي سريتُ * ولي فت شكيتُ * من الأمراض نسيتُ”.. كنت مستاءة جدا من عجزي واردد الكلمات في سري ،
فخورة لأني تمكنت من حفظهم وعاجزة عن إعلاني ذلك، فالأغنية التي غنتها عزيزتي المعلومة حينها هي اول أغنية تستوعبها ذائقتي الصغيرة ، وبدأت علاقتي الموسيقية مع المعلومة مع ان ذهني الصغير لم يستوعب حينها ان الأغنية صادرة من إنسان وليس من الجهاز كما كنت متصورة ، الى ان رأيت المعلومة سنة 1993 وهي تغني أغنيتي السرية ، كدت أصيح في وجهها انها أغنية “ريحانه” صاحبة الشريط ،،،، كانت لحظات عصية على النسيان، أضواء مطعم “الخيام” مبهرة وكانت “المعلومة” مختلفة عن الجميع بزيها بأدائها ،، وتمكنت تلك الليلة من حفظ كلمات جديدة من أغنيتي كان حرف “الراء” اقل حضورا فيها.. وتمكنت بعد ذلك من مشاركة أختي الصغيرة أداء تلك الأغنية التي كنت احبها جدا واضطر في كل مرة نبدأ بغنائها ان أصرخ “اهيه اهيه يا باني”…لحفظ ماء وجهي…!
بعد تلك الليلة تابعت المعلومة في كل كلمة تغنيها ، وحرصت على اقتناء كل ألبوماتها ولم أتمكن من تبادل الكلمات معها الا سنة 2006 كان ذلك في منزلها فقد أصرت إحدى قريباتي ان تغني المعلومة شخصيا لي وأخواتي إذا كنت متيمة بها الى هذا الحد.. لم اصدق ان ذلك ممكنا خصوصا ان المعلومة كانت مشغولة حينها بزيارة الفنان “راغب علامة ” لكنه وعكس توقعي غنت لنا “المعلومة” كانت ساحرة مذهلة في ذلك.. لكني اكتشفت وقتها ان المعلومة أم حنون وإنسانة بسيطة كريمة وحساسة…
وعرفت المعلومة حينها كم احبها وزرتها بعد ذلك مرارا في منزلها وفي كل مرة أجدها اروع.. اخر مرة زرت المعلومة في بيتها وجدتها في خيمة من الوبر مجهزة بالأغراض المنزلية التقليدية .. قدمت لي لبن الإبل وكانت تضع جهاز كمبيوتر أمامها وأخبرتني انها تلحن أغنية وطنية..
وآخر لقاء جمعني ولن يكون الأخير بحول الله كان في منظمتها “مالوما” حضرت حفلا تقيمه لعرض وجبات تقليدية وأكلت “ابربلي” بعد عمر من رفضه في كل ليلة يقدم عندي أسرتي الثانية “اهل ابيريك” ومن جبروت الصدفة ان ابنتهم “ريحانه” هي صاحبة الشريط …ولم يعجبني “ابربلي” كما كان دائما وازددت إعجابا بالمعلومة كما كنت دائما، فقد تعرفت حينها على جانب اخر من المعلومة الفنانة والسياسية والام والصديقة.. المعلومة التي تحرص على ثقافة وتراث موريتانيا ولا تريد لها ان تندثر أو تطوى في صفحات النسيان.. مالا يعرفه الكثيرين ان الكثير من أغاني المعلومة مأخوذة من عمق التراث الموسيقي ، وأن المعلومة ربطت الموسيقى الموريتانية بجذورها الأفريقية والعربية ، المعلومة أيضاً بلإضافة الى كل ما قيل عنها وكتب فهناك حقيقة علينا جميعا الاعتراف بها وهي ان المعلومة أكثر شهرة من موريتانيا حتى انه يذكر انه في تونس يطلقون “بلاد المعلومة” على موريتانيا ، وفي دمشق بعد ان فشلت جماعة في بهو فندق كنت أقيم فيه من معرفة هل انا هندية أم سودانية كان الفيصل اني من بلد المعلومة، وكان ذلك بعد فترة وجيزة من زيارة المعلومة للشام.. وكنت فخورة بذلك ..
كما انا فخورة بمعرفتي وتعرفي على المعلومة عن قرب ومازالت وفية لحبها المولود في نفسي منذ ذلك الحين .. وأتمنى ان يعيدها الله إلينا سالمة ، لا تشكو ولا تشتكي .. وان تبقى كما كانت نجمة الرمال وسفيرة لموريتانيا كاملة السلطه في كل من يحبها في عالم ربما توحده الموسيقى بعد ان عجز التاريخ عن ذلك وعجزت الجغرافيا..
نقلا عن المحيط نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.